في مشهد أعاد واشنطن إلى قلب المعادلة الدولية، استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعا رفيع المستوى في البيت الأبيض، جمعه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بحضور لافت لقادة أوروبيين.
هذا اللقاء لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل محطة مفصلية تعكس تغيّرا محتملاً في مسار الصراع الروسي الأوكراني، وتعيد ترتيب أوراق النفوذ الدولي.
رغم الطابع الاحتفالي الذي رافق القمة، إلا أن جوهر النقاش كان يدور حول سؤال مركزي: كيف يمكن هندسة تسوية تحافظ على قيادة واشنطن، تمنح أوكرانيا فرصة للبقاء، وتوفر لروسيا مخرجا لا يضعها في خانة الخاسر؟
محللون سياسيون أشاروا إلى أن ترامب ينطلق من قناعة مفادها أن استمرار الحرب مكلف ولا يمكن تحمله إلى الأبد، وهو ما يعكس تحولاً تدريجيا في الموقف الأميركي، من الدعم غير المحدود لكييف إلى مقاربة أكثر واقعية تأخذ في الحسبان الكلفة السياسية والاقتصادية.
لكن هذا التوجه لا يعني أن واشنطن تسعى لإلحاق هزيمة صريحة بموسكو. بل على العكس، هناك إدراك أميركي أن أي تسوية يجب أن تراعي بقاء بوتين في موقع قوة، تجنبا لتصعيد غير محسوب أو تحالف استراتيجي أكبر مع الصين.
الرئيس الأوكراني يواجه معضلة وجودية، أي تنازل، خصوصا على صعيد الأراضي، قد يُنظر إليه داخليا كخيانة وطنية.. لذلك، يبدو الموقف الأوروبي موجها نحو "تغطية جماعية" لأي اتفاق محتمل، كي لا يظهر وكأنه استسلام أوكراني منفرد.
من جانبه، شدد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسني عبيدي على أن أوروبا تعاني من تناقض واضح: تمسك رسمي بالمبادئ، يقابله استعداد ضمني للبحث عن تسوية تحفظ الاستقرار الداخلي، في ظل تراجع التأييد الشعبي للحرب وتزايد الأعباء الاقتصادية.
في قلب هذه المعادلة، تبرز قضية "الضمانات الأمنية" التي تطالب بها كييف، والتي لا تزال حتى الآن مبهمة في تفاصيلها. الطروحات تتراوح بين نشر قوات حفظ سلام في مناطق التماس، وتوفير آليات دفاعية غير رسمية، وصولاً إلى التزامات ثنائية طويلة الأمد من قبل الدول الكبرى.
الخبير السياسي توم حرب اعتبر أن القمة الحالية قد تكون "الأهم منذ الحرب العالمية الثانية"، مؤكداً أن ترامب تمكن من انتزاع ضمانات لأوكرانيا دون إدخالها رسمياً في الناتو، ما قد يجنّب الحلف مواجهة مباشرة مع روسيا.
بالنسبة لترامب، فإن التوصل إلى "صفقة كبرى" في هذا الملف يمثل فرصة لإبراز صورته كصانع للسلام، يعيد للولايات المتحدة موقعها كوسيط دولي لا غنى عنه، وهو ما قد يُترجم كورقة انتخابية قوية في سباق الرئاسة المقبل.
على الجانب الروسي، يرى الكاتب رولاند بيجاموف أن موسكو لن تقبل بأي اتفاق لا يعترف ضمنياً بـ"الواقع الجديد" على الأرض، مشيراً إلى أن الكرملين يسعى لترسيخ مكاسبه العسكرية كمنجزات سياسية دائمة، لا أن يعود إلى خطوط ما قبل الحرب، وهو ما سيُعد هزيمة غير مقبولة داخليا.
وفيما تتجه الأنظار نحو احتمال عقد لقاء ثلاثي بين ترامب وبوتين وزيلينسكي، تبقى الشروط والنتائج غير مضمونة، فالمشهد لا يزال معقدا، والانقسامات السياسية الداخلية، سواء في واشنطن أو كييف أو موسكو، تقف عائقا أمام أي التزام طويل الأمد.
ترامب لخص الموقف قائلاً إن فرص النجاح لا تتجاوز 25%، مقابل 75% للفشل. تصريح يعكس واقعية باردة في التعامل مع صراع تجاوز كونه نزاعا حدوديا، وتحول إلى اختبار حقيقي للنظام الدولي القائم.