عاجل
-‎تونس تسجّل عجزًا تجاريًا قياسيًا يتجاوز 11,9 مليار دينار في نهاية جويلية 2025- ‎رحيل فاضل الجزيري... وداع مؤثر لعملاق المسرح والفن التونسي
BTC: $45,230 (+2.3%) ETH: $3,180 (-1.2%) الدينار التونسي: 3.15 دولار النفط: $82.45 (+0.8%) الذهب: $1,950 (-0.5%)
شيفرة المجتمع

‎الديمقراطية وطفرة المنصات.. هل الفضاء الرقمي ما زال صالحا للنقاش العام؟

29 Jul 2025
الاقتصاد التونسي


‎وُعِد العالم منذ بداية الإنترنت، بفضاء رقمي يكون بمثابة ساحة عامة مفتوحة للجميع، حيث يمكن تبادل الأفكار بحرية، وممارسة النقاش الديمقراطي بشفافية.
‎ لكن الواقع اليوم يبدو مختلفا تماما، خاصة مع تصاعد سيطرة الشركات الكبرى على المنصات الرقمية وتزايد تعقيد استخدام الذكاء الاصطناعي.
‎في أكتوبر 2024، أثار انسحاب وزيرة الداخلية السويسرية إليزابيث باوم-شنايدر من منصة X (تويتر سابقًا) ضجة سياسية، حيث وصفت المنصة بأنها لم تعد تحتمل ثقافة النقاش السائدة..
‎هذه الخطوة سلطت الضوء على ما وصفه كثيرون بتدهور جودة الحوار على المنصات الرقمية الكبرى، لا سيما منذ استحواذ إيلون ماسك على X في عام 2022.
‎رغم أن ماسك وعد بتحويل المنصة إلى "ساحة رقمية مفتوحة وآمنة"، إلا أن تراجع الضوابط، وانتشار خطاب الكراهية، واستفحال الاستقطاب جعلها بيئة منفرة للعديد من الشخصيات العامة والمستخدمين العاديين..
‎ومع انسحاب بعض السياسيين والمعلنين، ازداد التساؤل حول ما إذا كانت هذه المنصات تضر أكثر مما تنفع في دعم الديمقراطية.
‎من وجهة نظر الباحثة إيما هويس من جامعة زيورخ، فإن الخوف من ظاهرة "غرف الصدى" ، التي تعني انغلاق المستخدمين داخل دوائر فكرية مغلقة ، قد يكون مبالغًا فيه.. وتؤكد أن الناس يتعرضون لتنوع أكبر من المعلومات على الإنترنت مقارنة بالحياة اليومية.
‎غير أن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يغيرون آراءهم، فالمواقف السياسية تبقى مستقرة نسبيا، وتتكوّن غالبًا في سن مبكرة.
‎لكن المشكلة الأكبر قد تكمن في تشظي الخطاب الرقمي، أي تفتته إلى مجموعات صغيرة يصعب عليها التفاهم أو بناء أرضية مشتركة..
‎بدلاً من أن يكون الفضاء الرقمي ملتقى للأفكار المتنوعة، أصبح ساحة لنقاشات متفرقة، تارة حول التسلية، وتارة حول نظريات المؤامرة، دون تنظيم أو هدف مشترك. وهذا التشظي يعقّد الوصول إلى رأي عام موحّد يمكنه التأثير الفعلي في السياسات أو القرارات الديمقراطية.
‎المفارقة هنا أن منصات الإنترنت بُنيت أساسًا على فكرة الربط بين الأفراد ذوي الاهتمامات المشتركة، وليس على فكرة بناء توافق مجتمعي.. ومع الوقت، تطورت هذه الخاصية لتصبح فقاعة لكل مجموعة، سواء كانت معتدلة أو متطرفة، سياسية أو ترفيهية، مما أدى إلى اتساع الهوة بين الفئات المختلفة في المجتمع.
‎في خضم كل هذا، تبرز التكنولوجيا الجديدة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، كعامل مضاعف لهذا المشهد المعقد..
‎ فالأدوات مثل ChatGPT تتيح لأي شخص إنتاج كمّ هائل من النصوص بسرعة وسهولة، مما يزيد من تدفق المحتوى على الإنترنت، لكنه يجعل من الأصعب تمييز الصحيح من المضلل.
‎ ويحذر الأكاديمي هانس بايور من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، من أن الفضاء الرقمي قد يتحول إلى بيئة "اصطناعية"، يصعب فيها التفرقة بين ما هو بشري وما هو ناتج عن خوارزميات.
‎وما يزيد الوضع خطورة، هو أن هذه الأدوات لا تنتج محتوى محايدًا بالكامل، بل تعكس خيارات وقيم مبرمجيها، وقد تعزز قوالب تفكير معينة لا تتكيف بسرعة مع التغيرات السياسية أو الثقافية.
‎وفي ظل هذا الواقع، تُطرح تساؤلات أخلاقية وتنظيمية كبيرة.. هل يمكن أو يجب ضبط أساليب التعبير؟ هل يُسمح للشركات بتعديل أسلوب كتابتنا تحت شعار "تحسين التواصل"؟ بعض الشركات، مثل آبل، بدأت بالفعل بدمج أدوات "تلطيف الرسائل"، لجعلها أقل عدوانية..
‎وبينما تبدو هذه المبادرات مفيدة في ظاهرها، إلا أنها تثير قلقًا من احتمال تدخل هذه الأدوات في التعبير الحر، دون علم أو موافقة المستخدمين.
‎مع كل هذه التحديات، تؤكد الباحثة هويس أنه من المهم عدم السقوط في فخ التشاؤم، فلا يزال هناك محتوى جيد ومفيد على الإنترنت، والمصادر الدقيقة والمعلومات المتوازنة متاحة.. المسألة تتعلق بإرادة المستخدمين في البحث عنها والمساهمة في إبرازها، بدلاً من الانغماس في فوضى المحتوى السطحي أو المضلل.
‎بعبارة أخرى، الديمقراطية الرقمية لم تمت، لكنها تمر بمرحلة اختبار صعبة، والمستقبل يعتمد على كيفية تفاعلنا كمستخدمين، وعلى إرادة المجتمعات والحكومات في ضمان أن تظل المنصات الرقمية فضاءً عامًا يعكس التعددية، لا مجرد مرايا تعكس أنفسنا.


1,245 مشاهدات