وراء صمت المنازل المظلمة، تختبئ قصص لا تُروى عن نساء يعانين من أشكال مختلفة من العنف. العنف ضد المرأة في العالم العربي ليس ظاهرة جديدة، لكنه ما زال يُعتبر موضوعًا محاطًا بالسرية، والوصمة، والمخاوف الاجتماعية التي تمنع الكثيرات من الإفصاح عن معاناتهن.
تشير الدراسات إلى أن ما بين 30% إلى 60% من النساء في عدة دول عربية يتعرضن للعنف الأسري خلال حياتهن، وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. العنف لا يقتصر على الضرب أو الإيذاء الجسدي، بل يشمل أيضًا الاعتداء النفسي، والاقتصادي، والجنسي، مما يترك أثرا عميقا على الضحايا من الناحية الجسدية والنفسية والاجتماعية.
تكشف إحصائيات حديثة أن العنف ضد المرأة في العالم العربي لا يزال يمثل تحدياً كبيراً، فوفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2021، تعرضت حوالي 37% من النساء في المنطقة العربية لعنف جسدي أو جنسي من قبل شريك حياتهن في مرحلة ما من حياتهن. في المغرب، كشفت دراسة وطنية أجريت عام 2019 أن 62.8% من النساء تعرضن لعنف من نوع ما خلال الاثني عشر شهراً السابقة للدراسة، بينما في تونس أظهرت دراسة عام 2020 أن 32.9% من النساء تعرضن للعنف خلال نفس الفترة. وفي الجزائر، كشفت بيانات من عام 2018 أن حوالي 31% من النساء تعرضن لتهديدات بالعنف الجسدي أو العاطفي، وأن 10% من النساء المتزوجات تعرضن للعنف الجسدي بشكل متكرر.. أما في السعودية، فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2022 أن معدلات تعرض النساء للعنف النفسي تصل إلى 69%، في حين تتراوح معدلات العنف الجسدي بين 12% و45%. هذه الأرقام توضح مدى انتشار هذه الظاهرة وتأثيرها الكبير على حياة النساء، مما يستدعي جهوداً مكثفة للتصدي لها على المستويات القانونية والاجتماعية والثقافية.
وتعد العوامل الثقافية والتقاليد الاجتماعية من أكبر الحواجز التي تواجه النساء في سبيل التحدث عن معاناتهن.. ففي كثير من المجتمعات، يُنظر إلى العنف كمسألة "خاصة" بين أفراد الأسرة، ويُعتبر كشف هذه الأسرار نوعًا من "الفضيحة" التي قد تؤثر على سمعة الأسرة، هذا التوجه يقيد اللجوء إلى الجهات الرسمية أو طلب المساعدة.
القوانين في بعض الدول العربية بدأت تأخذ خطوات لتطوير طرق حماية النساء، مثل سن قوانين لمكافحة العنف الأسري أو التمييز، لكن التحدي الأكبر يبقى في تطبيق هذه القوانين بشكل فعلي وحقيقي.
كثير من النساء يجدن صعوبة في الوصول إلى العدالة بسبب ضعف الدعم القانوني والاجتماعي، أو الخوف من الانتقام.
المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تلعب دورًا حيويًا في توعية النساء بحقوقهن، وتقديم الدعم النفسي والقانوني، وفتح حوارات عامة حول هذه القضية.. رغم ذلك، ما زال الطريق طويلًا لإحداث تغيير جذري.
في النهاية، يتطلب الحد من العنف ضد المرأة في العالم العربي تعاونًا بين الحكومات والمجتمعات لضمان حماية حقوق المرأة، وتشجيع ثقافة الحوار والشفافية، ورفع الوعي على نطاق واسع.