عاجل
-‎تونس تسجّل عجزًا تجاريًا قياسيًا يتجاوز 11,9 مليار دينار في نهاية جويلية 2025- ‎رحيل فاضل الجزيري... وداع مؤثر لعملاق المسرح والفن التونسي
BTC: $45,230 (+2.3%) ETH: $3,180 (-1.2%) الدينار التونسي: 3.15 دولار النفط: $82.45 (+0.8%) الذهب: $1,950 (-0.5%)
حوارات وتحقيقات

‎ العنف الرقمي: اليد الخفية لإسكات الأصوات الحرة

02 Jul 2025
الاقتصاد التونسي


‎في عصر أصبح فيه الفضاء الرقمي جزءًا أساسيا من الحياة اليومية، لم يعد التعبير عن الرأي أمرًا يسيرًا، بل أصبح محفوفا بالمخاطر، خاصة لمن يجرؤون على كشف الفساد أو الدفاع عن قضايا مجتمعية حساسة.
‎العنف الرقمي، بمختلف أشكاله، تحول إلى أداة فعالة لإسكات الأصوات الحرة، وتضييق هامش حرية التعبير، ليس فقط في المجتمعات المنغلقة، بل حتى في الدول التي تُحسب على الديمقراطيات الناشئة.
‎العنف الرقمي لا يقتصر على الشتائم أو المضايقات العشوائية، بل يتخذ أشكالًا منظمة وخطيرة، من بينها التشهير، والابتزاز، والتهديد، وتسريب المعلومات الشخصية، والمعروف بـ"doxxing"، وأحيانًا يُستخدم "الانتقام الإباحي" ضد النساء، وهو نشر صور خاصة بهن بغرض التشويه.
‎وقد أظهرت دراسة صادرة عن منصة "World Metrics" عام 2024 أن 53% من الشابات حول العالم تعرضن لأحد أشكال العنف الرقمي، وأن 68% منهن أبلغن عن معاناة نفسية حادة بعد ذلك، مثل الاكتئاب، القلق، أو اضطرابات النوم. وتفيد نفس الدراسة بأن 33% من هؤلاء الشابات تعرضن لتسريب معلومات شخصية، بينما واجهت 77% منهن مضايقات متكررة على الإنترنت.
‎في تونس، تبدو الصورة مقلقة أيضًا، حسب معطيات نشرها اتحاد نساء تونس في 2023، فإن 60% من النساء التونسيات تعرضن لشكل من أشكال العنف الرقمي، و71% من هذه الحالات حدثت عبر منصة فيسبوك، التي تُعد الأكثر استخدامًا في البلاد.
‎ تتراوح الاعتداءات بين التحرش الجنسي، والتهديد، والتنمر، وقد وثّقت منظمات نسوية مثل "أصوات نساء" و"فريدريش إيبرت" حالات لصحفيات وناشطات تم تهديدهن بالقتل أو تسريب صور خاصة بهن بعد مشاركتهن في حملات توعية أو تصريحات ناقدة للسلطة.
‎في الجانب القانوني، ورغم مصادقة تونس على اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الإلكترونية في مارس 2024، إلا أن آليات تنفيذها ما تزال محدودة.
‎القوانين المحلية، مثل القانون عدد 54 لسنة 2022، والذي يُعنى بمكافحة الجرائم الإلكترونية، تعرّض لانتقادات حادة كونه يُستخدم أحيانًا لقمع حرية التعبير، بدل حماية الضحايا. وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن السلطات التونسية استخدمت هذا القانون في أكثر من 70 حالة لملاحقة مدونين ومعارضين، في حين لم يُسجَّل سوى عدد محدود من القضايا التي أنصفت ضحايا العنف الرقمي من النساء أو الصحفيين.
‎الآثار النفسية والاجتماعية لهذا العنف عميقة، تشير إحصائيات منظمة "اليونسكو" إلى أن 73% من الصحفيات عالميا تعرضن لعنف رقمي، مما دفع نسبة كبيرة منهن إلى الانسحاب من النقاشات العامة أو تغيير مجرى حياتهن المهنية. هذا الانسحاب القسري يمثل انتكاسة خطيرة لحرية الإعلام وحق المجتمع في الوصول إلى المعلومة.
‎ في تونس، تم تسجيل حالات لصحفيات فضّلن مغادرة مواقع التواصل الاجتماعي بالكامل بعد تلقي تهديدات، وبعضهن أوقفن تغطية مواضيع حساسة خوفًا من الاستهداف.
‎المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني، رغم محاولاتهم الهادفة للتوعية، ما زالوا يواجهون تحديات كبيرة، أبرزها نقص التمويل، وضعف الوعي المجتمعي بخطورة العنف الرقمي، وغياب مراكز دعم نفسي وقانوني مخصصة للضحايا. وقد اقترحت منظمات محلية إنشاء وحدات تحقيق مختصة داخل الشرطة القضائية، وتكوين قضاة ووكلاء جمهورية في المجال الرقمي، لكن هذه المقترحات لم تتحول بعد إلى قرارات رسمية.
‎إن العنف الرقمي ليس ظاهرة هامشية بل هو وجه حديث للقمع، يخترق البيوت ويستهدف الأفراد في أضعف لحظاتهم، مستغلا أدوات رقمية لا تترك أثرًا ماديا، لكنها تخلف ندوبًا نفسية عميقة..
‎ومهما اختلفت أشكاله، فإن هدفه واحد: إسكات الصوت، كسر الإرادة، ومنع الحقيقة من الخروج إلى العلن. مواجهة هذه الظاهرة تتطلب وعيًا جماعيا، وجرأة سياسية، وإرادة قانونية صادقة لضمان فضاء رقمي آمن، يكون فيه التعبير عن الرأي حقا لا تهمة.


1,245 مشاهدات