عاجل
-‎تونس تسجّل عجزًا تجاريًا قياسيًا يتجاوز 11,9 مليار دينار في نهاية جويلية 2025- ‎رحيل فاضل الجزيري... وداع مؤثر لعملاق المسرح والفن التونسي
BTC: $45,230 (+2.3%) ETH: $3,180 (-1.2%) الدينار التونسي: 3.15 دولار النفط: $82.45 (+0.8%) الذهب: $1,950 (-0.5%)
شيفرة السياسة

‎السياسة الشعبوية: بين وعود الجماهير وواقع الحُكم

04 Jul 2025
الاقتصاد التونسي


‎في الأعوام الأخيرة، عادت السياسة الشعبوية إلى الواجهة بقوة في مختلف أنحاء العالم، من أميركا الجنوبية إلى أوروبا، ومن الولايات المتحدة إلى دول عربية.
‎هذا الصعود لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج عوامل معقدة تتعلق بالاقتصاد، والثقافة، والثقة في النخب التقليدية. في هذا المقال، سنحلل مفهوم السياسة الشعبوية، دوافع صعودها، آليات عملها، ونحاول الإجابة على السؤال الجوهري: هل الشعبوية تمثل تهديدًا للديمقراطية أم تجديدًا لها؟
‎ما هي السياسة الشعبوية؟
‎الشعبوية ليست أيديولوجيا سياسية بالمعنى التقليدي كـ الاشتراكية أو الليبرالية، بل هي أسلوب في الخطاب السياسي يقوم على تقسيم المجتمع إلى فئتين متقابلتين، "الشعب النقي" و"النخبة الفاسدة"، مع ادعاء أن الزعيم الشعبوي وحده يمثل الإرادة الحقيقية لهذا الشعب.
‎من أبرز سمات الخطاب الشعبوي:
‎التبسيط المفرط للمشكلات المعقدة..
‎إثارة العواطف بدلا من النقاش العقلاني..
‎معاداة المؤسسات والنخب التقليدية..
‎تقديم الزعيم كشخصية مخلّصة واستثنائية..
‎ دوافع صعود الشعبوية
‎غلبا ما ترتبط الموجات الشعبوية بحالات التغيير أو الأزمات، وهناك عدة عوامل تشجع على صعود التيارات الشعبوية، نذكر أبرزها:
‎ الأزمة الاقتصادية: مثل أزمة 2008 العالمية أو تضخم أسعار الغذاء والطاقة بعد جائحة كورونا، والتي زادت من التفاوت الطبقي وفقدان الثقة في الأنظمة النيوليبرالية..
‎العولمة: كثير من الناس يرون في العولمة تهديدًا لهويتهم ومصالحهم الاقتصادية، ما يدفعهم إلى دعم خطابات قومية وشعبوية..
‎أزمة الثقة في النخب: تتراجع الثقة في الأحزاب التقليدية، البرلمانات، والقضاء، خاصة في حال انتشار الفساد والمحسوبية، وهو ما تستغله الخطابات الشعبوية..
‎وسائل التواصل الاجتماعي: ساهمت هذه الوسائل في تجاوز المؤسسات التقليدية للإعلام، مما مكن الزعماء الشعبويين من مخاطبة الجمهور مباشرةً، وبناء ولاء عاطفي وشخصي.
‎ أمثلة عن الشعبوية حول العالم
‎الولايات المتحدة: دونالد ترامب يُعدّ مثالًا بارزًا للزعيم الشعبوي، خطابه اعتمد على فكرة "أميركا أولًا"، مهاجمة الإعلام، وشيطنة المهاجرين..
‎البرازيل: الرئيس السابق جاير بولسونارو استخدم خطابًا يمينيا متطرفًا، يعتمد على القوة ضد الجريمة، ورفض "اليسار الفاسد"..
‎إيطاليا: حركة "خمس نجوم" و"الرابطة" صعدتا بخطابات ضد النخب السياسية وضد الهجرة..
‎في بعض الدول العربية: هناك تيارات استخدمت الخطاب الشعبوي بعد ثورات الربيع العربي، مدّعية تمثيل "الشعب المقهور" ضد "الدولة العميقة"، رغم محدودية الديمقراطية الهيكلية في هذه السياقات..
‎ هل الشعبوية خطر أم فرصة؟
‎الجواب ليس بهذه السهولة، الشعبوية تكشف هشاشة النظام السياسي القائم، وغالبًا ما تكون تنبيهًا إلى وجود فجوة حقيقية بين المواطنين وصنّاع القرار.. لكن في المقابل، الشعبوية قد تؤدي إلى:
‎ترهل المؤسسات الديمقراطية
‎نشر خطاب الكراهية والانقسام
‎تقويض حرية التعبير والإعلام..
‎غير أن بعض الباحثين يرون أن الشعبوية قد تلعب دورًا إيجابيًا في تحفيز النخب على الاستماع لمطالب المواطنين، وفتح النقاش حول قضايا كانت مهمشة..
‎السياسة الشعبوية ليست مستجدة على التاريخ، لكنها اليوم أكثر تأثيرًا نتيجة للتطورات التكنولوجية والاجتماعية.. هي سيف ذو حدين، قد تكون قوة تصحيحية، وقد تتحول إلى وسيلة لتقويض الديمقراطية من الداخل.. يبقى الرهان على وعي الشعوب، واستقلالية المؤسسات، وقوة الثقافة السياسية لاحتواء مخاطرها وتوظيف طاقتها لصالح البناء لا الهدم.


1,245 مشاهدات