عاجل
-‎تونس تسجّل عجزًا تجاريًا قياسيًا يتجاوز 11,9 مليار دينار في نهاية جويلية 2025- ‎رحيل فاضل الجزيري... وداع مؤثر لعملاق المسرح والفن التونسي
BTC: $45,230 (+2.3%) ETH: $3,180 (-1.2%) الدينار التونسي: 3.15 دولار النفط: $82.45 (+0.8%) الذهب: $1,950 (-0.5%)
شيفرة الاقتصاد

‎معادن العصر الجديد: كيف تتحكم الموارد الخفيّة بمستقبل الاقتصاد العالمي؟

29 Jul 2025
الاقتصاد التونسي


‎يشهد العالم اليوم سباقًا متسارعًا على المعادن، لم يعد يقتصر على الشركات أو الأسواق، بل أصبح جزءًا من التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى.
‎فمع صعود التحوّل الطاقي والرقمي، باتت المعادن النادرة والحرجة مثل الليثيوم، الكوبالت، النيكل، والنحاس تلعب دورًا مركزيا في صياغة خرائط النفوذ، وموازين القوة الاقتصادية والعسكرية.
‎تُشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الطلب على المعادن سيبلغ ثلاثة أضعاف حجمه الحالي بحلول عام 2030، مدفوعًا بتوسّع الطاقة المتجددة، تصنيع البطاريات، المركبات الكهربائية، والبنية التحتية الرقمية. هذا الارتفاع الحاد يطرح تحديًا مزدوجًا: كيف يمكن تلبية هذا الطلب دون الوقوع في شَرَك التبعية الجيوسياسية أو التدهور البيئي؟
‎ التبعية العالمية للصين
‎اليوم، تهيمن الصين بشكل شبه كامل على عمليات تكرير المعادن الحرجة، وتُعدّ المورد الرئيسي للعالم في هذا المجال..
‎ من هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى إلى كسر هذه التبعية، عبر تشريعات جديدة ومشاريع تنقيب محلية واستراتيجيات تنويع للتموين.. الاتحاد الأوروبي، مثلًا، سنّ قانونًا خاصًا بالمواد الأولية الحيوية لضمان أمن الإمدادات داخل حدوده.
‎ أفريقيا: مركز الموارد وساحة الصراع
‎القارة الإفريقية تحتضن ما يُقدّر بثلث احتياطيات العالم من المعادن الحيوية.. بلدان مثل زامبيا، نيجيريا، والكونغو الديمقراطية، أصبحت في صلب المعركة العالمية على هذه الموارد.
‎لكن هذا الوضع يطرح تساؤلات حقيقية: هل ستكون إفريقيا مجرد مزوّد خام؟ أم أنها قادرة على فرض نموذج تنموي مبني على الاستغلال العادل للثروات؟
‎في أوكرانيا، التي تمتلك حوالي 5% من احتياطي العالم من المعادن الاستراتيجية، يتخذ الموضوع طابعًا أكثر تعقيدًا، حيث توجد بعض هذه الموارد في مناطق تخضع للاحتلال الروسي.. وهكذا تدخل المعادن على خط النزاعات العسكرية المباشرة.
‎ البعد البيئي: ضريبة الاستخراج
‎لكن السباق على المعادن لا يمر دون تكلفة، في شمال السويد، اكتشفت شركة تعدين منجمًا يُعد الأكبر في أوروبا للعناصر الأرضية النادرة، لكن هذا الاكتشاف واجه رفضًا شديدًا من "شعب السامي"، السكان الأصليين الذين رأوا فيه تهديدًا مباشرًا لأراضيهم ونمط حياتهم القائم على تربية الرنة.
‎هذه الحالة ليست معزولة، حيث تحذّر الباحثة أوليفيا لازارد من أن استغلال الموارد المعدنية في مناطق ذات قيمة بيئية عالية، مثل غابات الأمازون أو أحواض الكونغو، قد يُقوّض الجهود العالمية لمواجهة تغيّر المناخ، ويؤدي إلى خسارة نظم إيكولوجية تلعب دورًا حاسمًا في تنظيم المناخ العالمي.
‎ الحلول الممكنة: من التدوير إلى الابتكار
‎رغم أن فتح مناجم جديدة يبدو حتميا في المرحلة القصيرة، إلا أن هناك حلولًا بديلة يمكن أن تخفّف الضغط على البيئة.. إعادة تدوير المعادن، مثل النحاس، يمكن أن تغطّي ما يصل إلى 40% من الطلب بحلول عام 2050، بحسب الوكالة الدولية للطاقة. كما يجري تطوير تقنيات "التعدين النباتي"، وهي طريقة تستخدم نباتات قادرة على امتصاص المعادن من التربة، ثم استخراجها بطريقة أكثر صداقة للبيئة.
‎في الوقت نفسه، تظهر توجهات هندسية جديدة مثل إنتاج مغناطيسات خالية من العناصر الأرضية النادرة، قد تقلّل مستقبلاً من الاعتماد على هذه المواد الحيوية.
‎ إعادة النظر في السلم العالمي
‎تقول لازارد إن التحوّل الطاقي والرقمي ليس مجرّد خيار تكنولوجي، بل يتطلب إعادة تشكيل للبنى التي يقوم عليها النظام العالمي..
‎الانتقال من نموذج قائم على الفحم والحديد والصلب إلى نموذج جديد يعتمد على الطاقات المتجددة والمعادن يتطلب أنظمة أمن وسلام جديدة، أكثر عدالة وشمولًا، تراعي التوازن بين الضرورات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
‎المعادن ليست فقط مواد خام، بل أدوات استراتيجية تُعيد تشكيل العلاقات الدولية، والسباق على هذه الموارد يُظهر وجهًا جديدًا للعولمة، أكثر احتدامًا، أكثر تعقيدًا، وأشدّ حاجة لحوكمة عادلة ومتعدّدة الأطراف.. وفي غياب هذه الحوكمة، قد تتحوّل المعادن من فرصة للبشرية إلى مصدر جديد للصراعات.


1,245 مشاهدات