في خطوة جديدة تعكس تصاعد القلق الدولي إزاء الوضع الحقوقي في تونس وجهت عدة منظمات غير حكومية متوسطية رسالة إلى مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس طالبت فيها بفرض عقوبات على رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد وعدد من كبار المسؤولين متهمة إياهم بانتهاك حقوق الإنسان وتقويض الحريات العامة في البلاد. هذه المطالب التي نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية عن محامين تمثل تصعيدا واضحا في لهجة الخطاب الحقوقي تجاه السلطة التونسية وتفتح الباب أمام ضغوط أوروبية محتملة لم تشهدها تونس منذ سنوات
المنظمات التي تقف خلف هذا التحرك تشمل لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس وفدرالية التونسيين من أجل المواطنة بين الضفتين والمركز اللبناني لحقوق الإنسان والمنظمة الأورو-متوسطية للحقوق وهي جهات سبق لها أن نبهت العام الماضي إلى ما وصفته بتدهور مستمر للحريات في تونس دون أن تلقى حينها استجابة عملية من مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي اكتفت بمتابعة الوضع دون اتخاذ خطوات ملموسة
الرسالة التي وجهتها هذه المنظمات دعت إلى فرض إجراءات عقابية تشمل منع سفر الرئيس سعيّد وبعض المسؤولين إلى دول الاتحاد الأوروبي وتجميد أرصدتهم المصرفية ووقف توريد المعدات العسكرية والخدمات المالية إلى تونس إضافة إلى تعليق التمويلات الأوروبية المتعلقة بملف الهجرة وهو ما يشير إلى محاولة الضغط عبر قنوات التمويل والمصالح المشتركة لدفع السلطات التونسية إلى مراجعة سياساتها الحقوقية
يأتي هذا التطور في سياق محلي يشهد انتقادات واسعة للسلطة من أطراف سياسية ومدنية تتهم الرئيس سعيّد بانتهاج سياسات فردية تضيّق على حرية التعبير والعمل السياسي وقد تم خلال الأشهر الماضية تتبع عدد كبير من السياسيين والحقوقيين والإعلاميين والنقابيين أمام القضاء بسبب مواقفهم من السلطة الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة داخليا وخارجيا وفتح نقاشا واسعا حول مستقبل الديمقراطية في البلاد
في المقابل يرفض الرئيس قيس سعيّد هذه الاتهامات بشكل قاطع ويؤكد في خطاباته المتكررة أن تونس دولة ذات سيادة ترفض أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية ويعتبر أن من يعارضونه يسعون إلى ضرب استقرار الدولة وتشويه صورتها أمام الخارج وفي آخر لقاء له مع رئيسي مجلس نواب الشعب ومجلس الأقاليم والجهات شدد سعيّد على أن تونس ليست ضيعة لأحد وليست في حاجة إلى شهادة من أي طرف خارجي مشيرا إلى أن القرار الوطني ينبع فقط من إرادة الشعب التونسي
المواجهة الحالية بين المنظمات الحقوقية والسلطة السياسية في تونس تعكس أزمة ثقة عميقة حول مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد فبينما ترى السلطة أنها بصدد تصحيح المسار وحماية الدولة من الفوضى ترى منظمات المجتمع المدني أن الحريات مهددة وأن القمع بات أداة ممنهجة لإسكات الأصوات المعارضة وفي ظل هذا التباين الكبير تتجه الأنظار إلى الاتحاد الأوروبي ومدى استعداده للانتقال من المراقبة الصامتة إلى الفعل السياسي المباشر خاصة أن لتونس موقعا استراتيجيا في ملفات كبرى تتعلق بالهجرة والاستقرار الإقليمي والاقتصاد في جنوب المتوسط